مبدأ قانوني
وحيث أنه إستقر الفقه والقضاء على أنه ليتوفر سبق الإصرار يتوجب توافر عنصرين:
أولاً:العنصر الزمني والمتمثل بمرور فترة زمنية كافية بين عزم الجاني على إرتكاب جريمته وبين قيامه بتنفيذها.
ثانياً: العنصر النفسي وهو أن يكون الجاني قد فكر ودبر لإرتكاب الجريمة وهو هادىء البال مطمئن النفس بعد أن يكون قد رتب وسائل الجريمة وتدبر عواقبها ثم أقدم عليها دون إضطراب أو تردد أو إنفعال.
وحيث أن جناية القتل العمد تتميز عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بأركان مادية ومعنوية تشتمل على عناصر خاصة وهي التفكير الجاني بالجرم ثم التصميم على إرتكابه ثم مراقبة المجني عليه وإختيار الوقت الملائم ثم هدوء البال ثم التنفيذ ومن حيث الوصول إلى ذلك فإنه يتوجب التأكيد على كل عنصر من تلك العناصربدليل مؤيد ومتساند مع بقية الأدلة والعناصر الأخرى ليصبح وقوع القتل يطريق العمد .
وحيث أن العمد في ركنه المعنوي هو أمر داخلي يبطنه الجاني ويضمره في نفسه فلا يستطاع إستخلاصه إلا بما ينكشف من قصد الجاني من وقائع خارجية تتوصل إليها المحكمة من ظروف الدعوى وعناصرها وأنه يقع على عاتق النيابة العامة أن تثبت عناصر ظرف سبق الإصرار بصورة مستقلة.
وحيث أن المتهم خطط للقتل وصمم عليه وبأنه قام بإستدراج المغدور بحجة خطبة ابنته وذلك بقصد قتلهما معاً في منزله وأن المستخلص من بينات الدعوى وظروفها وأن نية القتل لدى المتهم كانت وليدة لحظتها ودليل ذلك أن المتهم كان يعلم منذ مدة على العلاقة بين المغدورين وأن المغدور طلب خطبتها لنفسه إلا أن المتهم رفض هذه الخطبة لأسباب هو يراها في المغدور وأنه في يوم الحادث قد إتصلت معه زوجته وهي تبكي وعند حضوره وسؤالها له قالت له (من الفضيحة التي إحنا فيها) وتقصد بذلك إصرار المغدورة على الزواج من المغدور ولم تخبره بوجود علاقة شرعية بينهما وعندما علم المتهم بموافقة وإصرار المغدورة على الزواج من المغدور اكتفى بضربها على وجهها بيديه ولم يخطر بباله لحظتها إرتكاب الجريمة وأنه وبعد حضور شقيقه الأكبر ووجده غاضباً أقنعه بالموافقة على خطبة ابنته للمغدور مادامت هي راغبة في ذلك وبأنها تستطيع إكمال دراستها الجامعية بعد الزواج حيث هدأت خاطرة فطلب من شقيقه الإتصال بأهل المغدور لأجل الخطبة فدخل وغسل وغير ملابس العمل وإرتدى ثيابه وإتجه لمنزل والد المغدور القريب من منزله لدعوتهم للحضور لأجل الخطبة والتقى بالمغدور وطلب منه الحضور مع أهله بعد أن أعلمه بموافقته على الخطبة وبارك له.
وبعد أن عاد تلقى إتصالاً هاتفياً من والد المغدور الذي أخبره بأنهم سيحضرون لمنزله حيث طلب من زوجته وبناته أن يحضرن القهوة والشاي وصوبتين إحاداهما في مضافة الرجال والثانية في مضافة النساء لإحتمال حضور نساء معهم وبالفعل تم ذلك.
وعند حضور المغدور وعائلته أستقبلهم المتهم إستقبالاً طيباً وقام بتقبيل المغدور ووالده وأدخلهما إلى مضافة الرجال حيث جلست والدة المغدور معهم بحضور شقيق المتهم وقام المتهم بتعريف شقيقه عليهم.
وأنه عندما دخل لإحضار القهوة طلب من زوجته وبناته أن يطلبن من ابنته المغدورة أن يبدل ملابسها لإستقبال الضيوف حيث بدأت ملابسها فعلاً وأن المتهم من عادته حمل السلاح الذي بحوزته منذ عام 1995 فإن المستفاد من هذه الظروف التي سبقت إرتكاب أفعال جريمة القتل لا يوجد فيها ما يشير أو يدلل على أن المتهم كان مصمماً على قتل المغدورين ولو كان يريد ذلك لنفذ قتل المغدور عند ذهابه إلى منزل والده بعيداً عن بيته وأولاده أو حتى عند حضوره إلى منزل المتهم فوراً حيث لا يوجد مانع يمنعه من ذلك ولما إستقبله ووالده بإحترام وبشاشة ولما طلب لعائلته تجهيز غرفتين للرجال والنساء ولا يعد ذلك إستدراجاً منه للمغدور حيث لا حاجة للإستدراج طالما سمحت له الفرصة مرتين بقتله لو كانت نية قتله متولدة لديه أو كان يفكر فيها خاصة وأن مسدسه على جانبه في المرتين.
وحيث أن عناصر سبق الإصرار ليست مفترضة وإنما يجب إقامة الدليل عليها ولم يرد في بينات الدعوى وظروفها ما يدلل على توافرها فإن عدم إقتناع محكمة الجنايات بتوافر الظرف المشدد لجريمة القتل (سبق الإصرار) جاء مستمداً من بينات الدعوى وظروفها مما يجعل هذه الأسباب غير وارده على القرار المطعون فيه.
راجع في ذلك قرار محكمة التمييز الصادر عن الهيئة العادية رقم(712/2009فصل14/7/2009).
g2009-712