مبدأ قانوني
وحيث أن جريمة القتل تتكون من ركنين الركن المادي وقوامه السلوك المادي المتمثل بفعل القتل والنتيجة الجرمية جراء هذا الفعل المتمثلة بوقاة المغدور ورابطة السببية فيما بين السلوك المادي والنتيجة الجرمية بحيث يرتبط الفعل بالنتيجة برابطة لا تنفصم أبداً.
وبتطبيق ذلك على أفعال المتهم وجدت المحكمة أن قيامه بصدم المغدور بواسطة المركبة التي يقودها ومن ثم الصعود بها فوق رأسهانما يشكل ذلك السلوك المادي وأن وفاة المغدور نتيجة ذلك تشكل النتيجة الجرمية لذلك السلوك وأن رابطة السببية بين أفعال المتهم والنتيجة التي حدثت للمغدور وهي وفاته تمثلت بالتقرير الطبي المتعلق بتشريح جثة المغدور والذي بين ان سبب وفاته هو النزف الدموي الدماغي الناتج عن كسور عظام قاع الجمجمة نتيجة وقوع الرأس بين قوتين متعاكستين.
والركن المعنوي وقوامه القصد الجرمي العام بعنصريه العلم والإرادة علم الجاني بأنه يرتكب فعلاً محظوراً عليه ارتكابه قانوناً وارادته الواعية والكاملة لارتكاب هذا الفعل كما انه يتطلب في جريمة القتل توافر القصد الخاص لدى الجاني والمتمثل باتجاه ارادته من فعله لانهاء الحياة الآدمية ل”إنسان حي وذلك بقتله وهدم كينونته ويقع على عاتق المحكمة إستجلاء هذه النية الجرمية والتي تعد من الأمور الباطنية والتي لا تتم الشهادة عليها ويسعى الجاني الى اخفائها وإنما واجب المحكمة استظهارها وذلك من خلال الظروف السابقة والمعاصرة واللاحقة للواقعة ومن خلال الأدوات المستخدمة في الجريمة وكيفية استخدامها والأماكن المستخدمة فيها من جسد الإنسان.
وبتطبيق ذلك على أفعال المتهم فإنه لم تتوافر لدية نية قتل المغدور ابتداءاً ولم يتجه قصده المباشر الى قتله إذ أن الثابت أن المغدور كان قبيل هروبه وحصول الحادث وجهاً لوجه والمتهم ولو أن المتهم انتوى بشكل مباشر قتل المغدور لكان أحضر معه من أدوات القتل مايمكن احضاره من المنزل كالسكاكين والأدوات الحادة والراضه المتواجدة بحكم العادة بالمنازل وخصوصاً انه خرج من منزله مع علمه بتشاجر المغدور مع ابنه المتهم وبالتالي فإن المحكمة استبعدت القصد الجرمي المباشر من أفعال المتهم اتجاه المغدور.
إلا أن المحكمة وجدت في أفعال المتهم أن تبحث عن مدى انطباق فكرة القصد الإحتمالي في تلك الأفعال حيث أن المشرع الأردني بحث في فكرة القصد الإحتمالي في المادة 64 من قانون العقوبات والتي نصت على (تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل قصد الفاعل إذا كان توقع حصولها فقبل بالمخاطرة وبالتالي فإن المشرع الأردني قد جعل القصد الإحتمالي من حيث القيمة القانونية معادلاً للقصد المباشر وتكمن فكرة القصد الإحتمالي في أن يتوقع الجاني حين إقدامه على فعله نتيجة ممكنه لهذا الفعل يحتمل أن تحدث ويحتمل أن لا تحدث ومع ذلك يرتكب فعله وتحدث النتيجة وبمعنى ان النتيجة التي حدثت ليست لازمة للفعل وأن مكان حدوثها في نظر الفعل قد يوازي إمكان حدوثها وهنا يكمن الفرق بين القصد المباشر والقصد الإحتمالي ففي الأول تكون إرادة الفاعل متجهة لإرتكاب الفعل مع توقع النتيجة كأمر لازم في حين أنها في القصد الإحتمالي توقع النتيجة كأمر ممكن مع القبول بحدوثها وبالتالي فإن الفاعل بالقصد الإحتمالي يقدم على فعله متوقعاً حصول النتيجة كأمر محتمل الحدوث إلا أنه يرتكب فعله قابلاً بالنتيجة التي حدثت ومرحباً بها وعليه وحيث على المحكمة استظهار القصد الجرمي سواء كان مباشراً أم احتمالياً وذلك من خلال ظروف ومجريات كل قضية على وباستعراض المحكمة للأفعال التي أقدم عليها المتهم والظروف السابقة والمعاصرة واللاحقة للحادث وجدت المحكمة أن العداوة تكونت فيما بين المغدور والمتهم في الليلة ذاتها التي وقع فيها الحادث وذلك لقيام المغدور بالتشاجر مع ابن المتهم المتهم الآخر وضربه وأن المتهم قد خرج من منزله في تلك الليلة للبحث عن المغدور بنية التشاجر معه وبالفعل التقاه وحصل بينهما تدافع بالأيدي وعلى أثرها هرب المغدور باتجاه منزله إلا أن المتهم لم يتركه بل قام بالركوب بمركبته وسار بها مسرعاً باتجاه المفدور حيث اقترب منه بشكل كبير مما حدا بالمغدور الى ضرب زجاج سيارته بواسطة عصا لإبعاده عنه وفي هذه الأثناء قام المتهم بالإنحراف بسيارته باتجاه المغدور مما أدى الى صدمه وسقوطه تحت مركبة المتهم وصعود إطارات المركبة فوق رأسه مما أدى الى وفاته وعليه فإن المحكمة لا تجد أن القصد المباشر قد توافر في أفعال المتهم وإنما كان قصداً إحتمالياً وذلك أن المتهم على الرغم من علمه وتوقعه عند اقترابه بشكل خطير وعلى سرعة متوسطة من المغدور امكانية دهسه بواسطة مركبته إلا أنه قبل بهذه المخاطرة مع توقعه لحدوث النتيجة وترحيبه بها للعداوة التي نشأت بينه وبين المغدور في تلك الليلة وحدثت النتيجة المتوقعة وهي صدم المغدور ودهسه باطارات المركبة وبالتالي فإن القصد الإحتمالي قد توافر بشكل لاريب فيه في أفعال المتهم ويسأل بذلك عن أفعاله كما لو أنها بقصد مباشر.
راجع بذلك قرار محكمة التمييز الصادر عن الهيئة العادية رقم(330/2015فصل15/4/2015).
g2015.330